الجامعة الأميركية في بيروت تفتتح جائزة أبو ستة – جيلبرت الإنسانية

الجامعة الأميركية في بيروت تفتتح جائزة أبو ستة – جيلبرت الإنسانية

في احتفال تكريمي لشجاعة وتضحيات أخصائيي الرعاية الصحية العاملين في مناطق النزاع، افتتحت الجامعة الأميركية في بيروت جائزة أبو ستة – جيلبرت الإنسانية التي تأسست في عام 2024، تقديرًا للعاملين في مجال الصحة وأوائل المستجيبين الذين يخاطرون بحياتهم وأرزاقهم لحماية الناس ورعايتهم في ظل الحروب والحصارات والاحتلال.

استُهل الحدث الذي أقامه مركز دراسات أرض فلسطين في الجامعة الأميركية في بيروت بدقيقة صمت احترامًا لجميع ضحايا الحروب والنزاعات تبعها فقرة فنية للسوبرانو غادة غانم، ألقت فيها قصائد قصيرة للشاعر الفلسطيني مصعب أبو توهة وغنّت قصيدة “إن كان عليّ أن أموت” للشاعر الراحل رفعت العرير. غانم هي إحدى أساتذة الجامعة الأميركية في بيروت وتتعاون مع معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى لإيصال الموسيقى إلى أطفال غزة.

بعد الافتتاحية التكريمية، عُرضت رسالة مسجّلة من الدكتورة ديباراتي جوها-سابير وهي خبيرة في مجال الآثار الصحية الناجمة عن الكوارث والنزاعات حائزة على عدة جوائز. وقالت جوها-سابير في رسالتها، “يلزم القانون الأطراف المتحاربة باحترام الفرق الطبية وحمايتها. على مدى الأعوام الأخيرة، وكما نرى في غزة، شهدنا عكس ذلك تمامًا.” وأضافت،” نشهد هجمات تؤدي عادة إلى سقوط ضحايا ليس بين العاملين في المجال الطبي فحسب، بل بين العاملين في مجال الصحة أيضًا. يشكل سائقو سيارات الإسعاف والممرضون والمسعفون والمساعدون الطبيون ركيزة القطاع الطبي وهم يتواجدون عادةً على الخطوط الأمامية فيقعون ضحايا في تلك النزاعات.” وتبع رسالة جوها-سابير فيديو مسجّل يعرض شهادات من عاملين صحيين في الميدان في غزة يشرحون فيه صعوبة الأوضاع هناك، ثم رسالة شكر من الدكتور خميس العيسي.

ثم ألقى الدكتور إيمان نويهض، أستاذ الصحة العامة والصحة البيئية والمهنية في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت، كلمة عن أصل الجائزة وضرورتها، قال فيها، “طرح زميلي الدكتور باسم صعب فكرة هذه الجائزة التي استُلهمت من صمود شعب غزة واحتمالهم ومقاومتهم وشجاعة أخصائيَيْن في مجال الرعاية الصحية  – الدكتور غسان أبو ستة والدكتور مادز جيلبرت – اللذين خاطرا بحياتَيْهما ومهنتَيْهما لدعم الشعب الفلسطيني وغيره،” مسلّطًا الضوء على الشخصين اللذين سميت الجائزة على اسميهما.

فالدكتور غسان أبو ستة، وهو رئيس قسم الجراحة التجميلية ومؤسس برنامج طب النزاعات في الجامعة الأميركية في بيروت، هو جراح تجميلي وترميمي وأكاديمي أمضى عقودًا في معالجة ضحايا الحروب – وبالأخص الأطفال منهم – في أخطر مناطق النزاع حول العالم ومناصرة حقوق الجرحى والمصابين والمشرّدين.

أما الدكتور مادز جيلبرت فهو طبيب تخدير وأخصائي في طب الطوارئ نرويجي الأصل، له تاريخ طويل في مساندة الشعب الفلسطيني. وبينما كان جيلبرت يقدّم الرعاية الطبية الأساسية في غزة، كان يدعو أيضًا إلى تحقيق العدالة في المحافل الدولية من خلال عمله الطبي والسياسي.

ثم تحدث نويهض عن العنف والأهوال التي يتعرض لها أهل غزة منذ قرابة العامين وعن الأسباب التي أدت إلى اتخاذ لجنة الاختيار قرارًا بتكريم جميع الأخصائيين في مجال الرعاية الصحية في غزة بصفتهم أوائل الحائزين على جائزة أبو ستة – جيلبرت الإنسانية. وقد اتخذت اللجنة القرار بعد أن أدركت اللجنة ضرورة تكريم جميع من ساهم في دعم شعب غزة، “من المسعفين والممرضين وسائقي سيارات الإسعاف والمستجيبين الأوائل إلى رب الأسرة الذي سعى لإنقاذ كل فرد استطاع الوصول إليه من أفراد عائلته،” بحسب نويهض. وقد استلم الجائزة بالنيابة عنهم الدكتور محمد زيارة، جراح التجميل الذي عمل وعاش في غزة، والذي يقيم حاليًا في لبنان ويتدرب على الجراحة الترميمية تحت إرشاد الدكتور أبو ستة.

خلال الحفل، تحدّثت الدكتورة زينة جلاد، مديرة مركز دراسات أرض فلسطين والأستاذة المساعدة في دائرة الدراسات السياسية والإدارة العامة في الجامعة الأميركية في بيروت، عن جائزة أبو ستة – جيلبرت الإنسانية، واصفةً إياها بأنها “ليست مجرّد تقدير للشجاعة في وجه الخطر فحسب، بل تقدير للوفاء للحياة والرعاية والكرامة غير القابلة للاختزال لكل إنسان.”

وشمل برنامج الحفل ندوة حوارية جمعت الطبيبين جيلبرت وأبو ستة، إلى جانب الدكتور بن تومسون، أخصائي الصحة العامة وطبيب أمراض الكلى والأمراض الباطنية؛ والدكتورة نورا عريقات، محامية حقوق الإنسان والأستاذة المشاركة في قسم الدراسات الأفريقية وبرنامج العدالة الجنائية في جامعة روتجرز –نيو برونزويك. وتحدّث أبو ستة عن دوره كطبيب مشيرًا إلى أن هذا الدور قد كلّفه حتى اليوم ثماني دعاوى قضائية تهدف، بحسب وصفه، “لا إلى إسكاتك فحسب بل شلّك وجعلك عبرة لمن يعتبر واستنزافك اقتصاديًا وذهنيًا حيث تمضي حياتك في الدفاع عن نفسك.” وقال أبو ستة أن التعامل مع هذه القضايا “لم يكن شيئًا بالمقارنة مع الأهوال التي يتعرض لها الآخرون إذا تكلموا.”

وألقى جيلبرت الضوء على العدد غير المتكافئ من الهجمات على نظام الرعاية الصحية، قائلاً، “يشكّل العاملون في مجال الرعاية الصحية في غزة 0,9 في المئة من السكان، إلا أنهم يشكّلون 7 في المئة من إجمالي الضحايا أيضاً. مما يعني أن العاملين في مجال الرعاية الصحية الذين يُقتلون يمثّلون ثمانية أضعاف عدد المدنيين.” وأضاف، “تحصل هذه الهجمات لمنع الناس من مساعدة هذه المنطقة لأن الرعاية الصحية هي شكل من أشكال المقاومة في المناطق الخاضعة لذلك الاحتلال.”

واختُتم الحدث بكلمة لرئيس الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور فضلو خوري الذي تحدّث عن الوقع العاطفي للأمسية، حيث قال، “من الصعوبة البالغة إيجاد الكلمات بعد ما سمعناه الليلة من شهادات لأصوات كادت أن تُقمع لولا أن وجدت سبيلاً للخروج.” وشدّد خوري، مستندًا إلى عمله في هذا المجال، على الغاية الأعمق من مهنة الطب. “بصفتي شخصًا أمضى معظم حياته في مجال الطب، أعتقد بأن هذه الجائزة تختزل كل ما يُفترض أن يمثّله. فالطب ليس مجرد علم أو خدمة، هو التزام أخلاقي بحماية الحياة – بالأخص حين تكون أكثر عرضة للتهديد.” ثم كرّم خوري شجاعة وتضحيات الأفراد الذين تعتزم الجائزة تقديرهم، قائلاً، “اليوم نكرّم أولئك الذين حافظوا على التزامهم ودفعوا أغلى الأثمان، وكذلك الذين يواصلون تقديم الخدمة تحت ظروف عصيّة على الفهم.”